التفسير الميسر للقران الكريم أجزاء..5



التفسير الميسر للقران الكريم أجزاء



الجزء 5

وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 24 )
ويحرم عليكم نكاح المتزوجات من النساء, إلا مَنْ سَبَيْتُم منهن في الجهاد, فإنه يحل لكم نكاحهن, بعد استبراء أرحامهن بحيضة, كتب الله عليكم تحريم نكاح هؤلاء, وأجاز لكم نكاح مَن سواهن, ممَّا أحله الله لكم أن تطلبوا بأموالكم العفة عن اقتراف الحرام. فما استمتعتم به منهن بالنكاح الصحيح, فأعطوهن مهورهن, التي فرض الله لهن عليكم, ولا إثم عليكم فيما تمَّ التراضي به بينكم, من الزيادة أو النقصان في المهر, بعد ثبوت الفريضة. إن الله تعالى كان عليمًا بأمور عباده, حكيما في أحكامه وتدبيره.
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 25 )
ومن لا قدرة له على مهور الحرائر المؤمنات, فله أن ينكح غيرهن, من فتياتكم المؤمنات المملوكات. والله تعالى هو العليم بحقيقة إيمانكم, بعضكم من بعض, فتزوجوهن بموافقة أهلهن, وأعطوهن مهورهن على ما تراضيتم به عن طيب نفس منكم, متعففات عن الحرام, غير مجاهرات بالزنى, ولا مسرات به باتخاذ أخلاء, فإذا تزوجن وأتين بفاحشة الزنى فعليهن من الحدِّ نصف ما على الحرائر. ذلك الذي أبيح مِن نكاح الإماء بالصفة المتقدمة إنما أبيح لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنى, وشق عليه الصبر عن الجماع, والصبر عن نكاح الإماء مع العفة أولى وأفضل. والله تعالى غفور لكم, رحيم بكم إذ أذن لكم في نكاحهن عند العجز عن نكاح الحرائر.
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( 26 )
يريد الله تعالى بهذه التشريعات, أن يوضح لكم معالم دينه القويم, وشرعه الحكيم, ويدلكم على طرق الأنبياء والصالحين من قبلكم في الحلال والحرام, ويتوب عليكم بالرجوع بكم إلى الطاعات, وهو سبحانه عليم بما يصلح شأن عباده, حكيم فيما شرعه لكم.
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا ( 27 )
والله يريد أن يتوب عليكم, ويتجاوز عن خطاياكم, ويريد الذين ينقادون لشهواتهم وملذاتهم أن تنحرفوا عن الدين انحرافًا كبيرًا.
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ( 28 )
يريد الله تعالى بما شرعه لكم التيسير, وعدم التشديد عليكم; لأنكم خلقتم ضعفاء.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ( 29)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, لا يحل لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغير حق, إلا أن يكون وَفْقَ الشرع والكسب الحلال عن تراض منكم, ولا يقتل بعضكم بعضًا فتهلكوا أنفسكم بارتكاب محارم الله ومعاصيه. إن الله كان بكم رحيمًا في كل ما أمركم به, ونهاكم عنه.
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ( 30 )
ومن يرتكب ما نهى الله عنه من أخذ المال الحرام كالسرقة والغصب والغش معتديًا متجاوزًا حد الشرع, فسوف يدخله الله نارًا يقاسي حرَّها, وكان ذلك على الله يسيرًا.
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا ( 31 )
إن تبتعدوا - أيها المؤمنون- عن كبائر الذنوب كالإشراك بالله وعقوق الوالدين وقَتْلِ النفس بغير الحق وغير ذلك, نكفِّر عنكم ما دونها من الصغائر, وندخلكم مدخلا كريمًا, وهو الجنَّة.
وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ( 32 )
ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض, في المواهب والأرزاق وغير ذلك, فقد جعل الله للرجال نصيبًا مقدَّرًا من الجزاء بحسب عملهم, وجعل للنساء نصيبًا مما عملن, واسألوا الله الكريم الوهاب يُعْطِكم من فضله بدلا من التمني. إن الله كان بكل شيء عليمًا, وهو أعلم بما يصلح عباده فيما قسمه لهم من خير.
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ( 33 )
ولكل واحد منكم جعلنا ورثة يرثون مما ترك الوالدان والأقربون, والذين تحالفتم معهم بالأيمان المؤكدة على النصرة وإعطائهم شيئًا من الميراث فأعطوهم ما قُدِّر لهم. والميراث بالتحالف كان في أول الإسلام, ثم رُفع حكمه بنزول آيات المواريث. إن الله كان مُطَّلِعًا على كل شيء من أعمالكم, وسيجازيكم على ذلك.
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ( 34 )
الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن, بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة والتفضيل, وبما أعطوهن من المهور والنفقات. فالصالحات المستقيمات على شرع الله منهن, مطيعات لله تعالى ولأزواجهن, حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما اؤتمنَّ عليه بحفظ الله وتوفيقه, واللاتي تخشون منهن ترفُّعهن عن طاعتكم, فانصحوهن بالكلمة الطيبة, فإن لم تثمر معهن الكلمة الطيبة, فاهجروهن في الفراش, ولا تقربوهن, فإن لم يؤثر فعل الهِجْران فيهن, فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه, فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن, فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن, وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن.
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ( 35 )
وإن علمتم - يا أولياء الزوجين- شقاقًا بينهما يؤدي إلى الفراق, فأرسلوا إليهما حكمًا عدلا من أهل الزوج, وحكمًا عدلا من أهل الزوجة; لينظرا ويحكما بما فيه المصلحة لهما, وبسبب رغبة الحكمين في الإصلاح, واستعمالهما الأسلوب الطيب يوفق الله بين الزوجين. إن الله تعالى عليم, لا يخفى عليه شيء من أمر عباده, خبير بما تنطوي عليه نفوسهم.
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا ( 36 )
واعبدوا الله وانقادوا له وحده, ولا تجعلوا له شريكًا في الربوبية والعبادة, وأحسنوا إلى الوالدين, وأدُّوا حقوقهما, وحقوق الأقربين, واليتامى والمحتاجين, والجار القريب منكم والبعيد, والرفيق في السفر وفي الحضر, والمسافر المحتاج, والمماليك من فتيانكم وفتياتكم. إن الله تعالى لا يحب المتكبرين من عباده, المفتخرين على الناس.
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ( 37 )
الذين يمتنعون عن الإنفاق والعطاء مما رزقهم الله, ويأمرون غيرهم بالبخل, ويجحدون نِعَمَ الله عليهم, ويخفون فضله وعطاءه. وأعددنا للجاحدين عذابًا مخزيًا.
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ( 38 )
وأعتدنا هذا العذاب كذلك للذين ينفقون أموالهم رياءً وسمعةً, ولا يصدقون بالله اعتقادًا وعملا ولا بيوم القيامة. وهذه الأعمال السيئة مما يدعو إليها الشيطان. ومن يكن الشيطان له ملازمًا فبئس الملازم والقرين.
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا ( 39 )
وأيُّ ضرر يلحقهم لو صدَّقوا بالله واليوم الآخر اعتقادًا وعملا وأنفقوا مما أعطاهم الله باحتساب وإخلاص, والله تعالى عليم بهم وبما يعملون, وسيحاسبهم على ذلك.
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ( 40 )
إن الله تعالى لا ينقص أحدًا من جزاء عمله مقدار ذرة, وإن تكن زنة الذرة حسنة فإنه سبحانه يزيدها ويكثرها لصاحبها, ويتفضل عليه بالمزيد, فيعطيه من عنده ثوابًا كبيرًا هو الجنة.
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا ( 41 )
فكيف يكون حال الناس يوم القيامة, إذا جاء الله من كل أمة برسولها ليشهد عليها بما عملت, وجاء بك - أيها الرسول- لتكون شهيدًا على أمتك أنك بلغتهم رسالة ربِّك.
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ( 42 )
يوم يكون ذلك, يتمنى الذين كفروا بالله تعالى وخالفوا الرسول ولم يطيعوه, لو يجعلهم الله والأرض سواء, فيصيرون ترابًا, حتى لا يبعثوا وهم لا يستطيعون أن يُخفوا عن الله شيئًا مما في أنفسهم, إذ ختم الله على أفواههم, وشَهِدَتْ عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ( 43 )
يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله وعملوا بشرعه, لا تقربوا الصلاة ولا تقوموا إليها حال السكر حتى تميزوا وتعلموا ما تقولون, وقد كان هذا قبل التحريم القاطع للخمر في كل حال, ولا تقربوا الصلاة في حال الجنابة, ولا تقربوا مواضعها وهي المساجد, إلا من كان منكم مجتازًا من باب إلى باب, حتى تتطهروا. وإن كنتم في حال مرض لا تقدرون معه على استعمال الماء, أو حال سفر, أو جاء أحد منكم من الغائط, أو جامعتم النساء, فلم تجدوا ماء للطهارة فاقصدوا ترابًا طاهرًا, فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه. إن الله تعالى كان عفوًّا عنكم, غفورًا لكم.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ ( 44 )
ألم تعلم - أيها الرسول- أمر اليهود الذين أُعطوا حظًّا من العلم مما جاءهم من التوراة, يستبدلون الضلالة بالهدى, ويتركون ما لديهم من الحجج والبراهين, الدالة على صدق رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, ويتمنون لكم - أيها المؤمنون المهتدون- أن تنحرفوا عن الطريق المستقيم; لتكونوا ضالين مثلهم.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ( 45 )
والله سبحانه وتعالى أعلم منكم - أيها المؤمنون- بعداوة هؤلاء اليهود لكم, وكفى بالله وليًّا يتولاكم, وكفى به نصيرًا ينصركم على أعدائكم.
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا ( 46 )
من اليهود فريق دأبوا على تبديل كلام الله وتغييره عمَّا هو عليه افتراء على الله, ويقولون للرسول صلى الله عليه وسلم: سمعنا قولك وعصينا أمرك واسمع منَّا لا سمعت, ويقولون: راعنا سمعك أي: افهم عنا وأفهمنا, يلوون ألسنتهم بذلك, وهم يريدون الدعاء عليه بالرعونة حسب لغتهم, والطعن في دين الإسلام. ولو أنهم قالوا: سمعنا وأطعنا, بدل و « عصينا » , واسمع دون « غير مسمع » , وانظرنا بدل« راعنا » لكان ذلك خيرًا لهم عند الله وأعدل قولا ولكن الله طردهم من رحمته; بسبب كفرهم وجحودهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, فلا يصدقون بالحق إلا تصديقًا قليلا لا ينفعهم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا ( 47 )
يا أهل الكتاب, صدِّقوا واعملوا بما نزَّلنا من القرآن, مصدقًا لما معكم من الكتب من قبل أن نأخذكم بسوء صنيعكم, فنمحو الوجوه ونحولها قِبَلَ الظهور, أو نلعن هؤلاء المفسدين بمسخهم قردة وخنازير, كما لعنَّا اليهود مِن أصحاب السبت, الذين نُهوا عن الصيد فيه فلم ينتهوا, فغضب الله عليهم, وطردهم من رحمته, وكان أمر الله نافذًا في كل حال.
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ( 48 )
إن الله تعالى لا يغفر ولا يتجاوز عمَّن أشرك به أحدًا من مخلوقاته, أو كفر بأي نوع من أنواع الكفر الأكبر, ويتجاوز ويعفو عمَّا دون الشرك من الذنوب, لمن يشاء من عباده, ومن يشرك بالله غيره فقد اختلق ذنبًا عظيمًا.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا ( 49 )
ألم تعلم - أيها الرسول- أمر أولئك الذين يُثنون على أنفسهم وأعمالهم, ويصفونها بالطهر والبعد عن السوء؟ بل الله تعالى وحده هو الذي يثني على مَن يشاء مِن عباده, لعلمه بحقيقة أعمالهم, ولا يُنقَصون من أعمالهم شيئًا مقدار الخيط الذي يكون في شق نَواة التمرة.
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا ( 50 )
انظر إليهم - أيها الرسول- متعجبًا من أمرهم, كيف يختلقون على الله الكذب, وهو المنزَّه عن كل ما لا يليق به؟ وكفى بهذا الاختلاق ذنبًا كبيرًا كاشفًا عن فساد معتقدهم.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا ( 51 )
ألم تعلم - أيها الرسول- أمر أولئك اليهود الذين أُعطوا حظًّا من العلم يصدقون بكل ما يُعبد من دون الله من الأصنام وشياطين الإنس والجن تصديقا يحملهم على التحاكم إلى غير شرع الله, ويقولون للذين كفروا بالله تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: هؤلاء الكافرون أقْومُ, وأعدلُ طريقًا من أولئك الذين آمنوا؟
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ( 52 )
أولئك الذين كَثُرَ فسادهم وعمَّ ضلالهم, طردهم الله تعالى من رحمته, ومَن يطرده الله من رحمته فلن تجد له من ينصره, ويدفع عنه سوء العذاب.
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ( 53 )
بل ألهم حظ من الملك, ولو أوتوه لما أعطوا أحدًا منه شيئًا, ولو كان مقدار النقرة التي تكون في ظهر النَّواة؟
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ( 54 )
بل أيحسدون محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما أعطاه الله من نعمة النبوة والرسالة, ويحسدون أصحابه على نعمة التوفيق إلى الإيمان, والتصديق بالرسالة, واتباع الرسول, والتمكين في الأرض, ويتمنون زوال هذا الفضل عنهم؟ فقد أعطينا ذرية إبراهيم عليه السلام - من قَبْلُ- الكتب, التي أنزلها الله عليهم وما أوحي إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا, وأعطيناهم مع ذلك ملكا واسعا.
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ( 55 )
فمن هؤلاء الذين أوتوا حظًّا من العلم, مَن صدَّق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم, وعمل بشرعه, ومنهم مَن أعرض ولم يستجب لدعوته, ومنع الناس من اتباعه. وحسبكم - أيها المكذبون- نار جهنم تسعَّر بكم.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ( 56 )
إن الذين جحدوا ما أنزل الله من آياته ووحي كتابه ودلائله وحججه, سوف ندخلهم نارًا يقاسون حرَّها, كلما احترقت جلودهم بدَّلْناهم جلودًا أخرى; ليستمر عذابهم وألمهم. إن الله تعالى كان عزيزًا لا يمتنع عليه شيء, حكيمًا في تدبيره وقضائه.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا (57 )
والذين اطمأنت قلوبهم بالإيمان بالله تعالى والتصديق برسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, واستقاموا على الطاعة, سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار, ينعمون فيها أبدًا ولا يخرجون منها, ولهم فيها أزواج طهرها الله مِن كل أذى, وندخلهم ظلا كثيفًا ممتدًا في الجنة.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58 )
إن الله تعالى يأمركم بأداء مختلف الأمانات, التي اؤتمنتم عليها إلى أصحابها, فلا تفرطوا فيها, ويأمركم بالقضاء بين الناس بالعدل والقسط, إذا قضيتم بينهم, ونِعْمَ ما يعظكم الله به ويهديكم إليه. إن الله تعالى كان سميعًا لأقوالكم, مُطَّلعًا على سائر أعمالكم, بصيرًا بها.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ( 59 )
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, استجيبوا لأوامر الله تعالى ولا تعصوه, واستجيبوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الحق, وأطيعوا ولاة أمركم في غير معصية الله, فإن اختلفتم في شيء بينكم, فأرجعوا الحكم فيه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, إن كنتم تؤمنون حق الإيمان بالله تعالى وبيوم الحساب. ذلك الردُّ إلى الكتاب والسنة خير لكم من التنازع والقول بالرأي، وأحسن عاقبة ومآلا.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا ( 60 )
ألم تعلم - أيها الرسول- أمر أولئك المنافقين الذين يدَّعون الإيمان بما أُنزل إليك - وهو القرآن- وبما أُنزل إلى الرسل من قبلك, وهم يريدون أن يتحاكموا في فَصْل الخصومات بينهم إلى غير ما شرع الله من الباطل, وقد أُمروا أن يكفروا بالباطل؟ ويريد الشيطان أن يبعدهم عن طريق الحق, بعدًا شديدًا. وفي هذه الآية دليل على أن الإيمان الصادق, يقتضي الانقياد لشرع الله, والحكم به في كل أمر من الأمور, فمن زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله, فهو كاذب في زعمه.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ( 61 )
وإذا نُصح هؤلاء, وقيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله, وإلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, وهديه, أبصَرْتَ الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر, يعرضون عنك إعراضًا.
فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ( 62 )
فكيف يكون حال أولئك المناففين, إذا حلَّت بهم مصيبة بسبب ما اقترفوه بأيديهم, ثم جاؤوك - أيها الرسول- يعتذرون, ويؤكدون لك أنهم ما قصدوا بأعمالهم تلك إلا الإحسان والتوفيق بين الخصوم؟
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا ( 63 )
أولئك هم الذين يعلم الله حقيقة ما في قلوبهم من النفاق, فتولَّ عنهم, وحذِّرهم من سوء ما هم عليه, وقل لهم قولا مؤثرًا فيهم زاجرًا لهم.
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64 )
وما بعَثْنَا من رسول من رسلنا, إلا ليستجاب له, بأمر الله تعالى وقضائه. ولو أن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم باقتراف السيئات, جاؤوك - أيها الرسول- في حياتك تائبين سائلين الله أن يغفر لهم ذنوبهم, واستغفرت لهم, لوجدوا الله توابًا رحيمًا.
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( 65 )
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء لا يؤمنون حقيقة حتى يجعلوك حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياتك, ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك, ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما انتهى إليه حكمك, وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً, فالحكم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة من صميم الإيمان مع الرضا والتسليم.
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ( 66 ) وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ( 67 ) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ( 68 )
ولو أوجبنا على هؤلاء المنافقين المتحاكمين إلى الطاغوت أن يقتل بعضهم بعضًا, أو أن يخرجوا من ديارهم, ما استجاب لذلك إلا عدد قليل منهم, ولو أنهم استجابوا لما يُنصحون به لكان ذلك نافعًا لهم, وأقوى لإيمانهم, ولأعطيناهم من عندنا ثوابًا عظيمًا في الدنيا والآخرة, ولأرشدناهم ووفقناهم إلى طريق الله القويم.
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ( 69 )
ومن يستجب لأوامر الله تعالى وهدي رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فأولئك الذين عَظُمَ شأنهم وقدرهم, فكانوا في صحبة مَن أنعم الله تعالى عليهم بالجنة من الأنبياء والصديقين الذين كمُل تصديقهم بما جاءت به الرسل، اعتقادًا وقولا وعملا والشهداء في سبيل الله وصالح المؤمنين, وحَسُنَ هؤلاء رفقاء في الجنة.
ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ( 70 )
ذلك العطاء الجزيل من الله وحده. وكفى بالله عليما يعلم أحوال عباده, ومَن يَستحقُّ منهم الثواب الجزيل بما قام به من الأعمال الصالحة.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ( 71 )
يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم بالاستعداد لعدوكم, فاخرجوا لملاقاته جماعة بعد جماعة أو مجتمعين.
وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا ( 72 )
وإنَّ منكم لنفرًا يتأخر عن الخروج لملاقاة الأعداء متثاقلا ويثبط غيره عن عمد وإصرار, فإن قُدِّر عليكم وأُصِبتم بقتل وهزيمة, قال مستبشرًا: قد حفظني الله, حين لم أكن حاضرًا مع أولئك الذين وقع لهم ما أكرهه لنفسي, وسرَّه تخلفه عنكم.
وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ( 73 )
ولئن نالكم فضل من الله وغنيمة, ليقولن - حاسدًا متحسرًا, كأن لم تكن بينكم وبينه مودة في الظاهر- : يا ليتني كنت معهم فأظفر بما ظَفِروا به من النجاة والنصرة والغنيمة.
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ( 74 )
فليجاهد في سبيل نصرة دين الله, وإعلاء كلمته, الذين يبيعون الحياة الدنيا بالدار الآخرة وثوابها. ومن يجاهد في سبيل الله مخلصًا, فيُقْتَلْ أو يَغْلِبْ, فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا.
وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ( 75 )
وما الذي يمنعكم - أيها المؤمنون- عن الجهاد في سبيل نصرة دين الله, ونصرة عباده المستضعفين من الرجال والنساء والصغار الذين اعتُدي عليهم, ولا حيلة لهم ولا وسيلة لديهم إلا الاستغاثة بربهم, يدعونه قائلين: ربنا أخرجنا من هذه القرية - يعني « مكة » - التي ظَلَم أهلها أنفسهم بالكفر والمؤمنين بالأذى, واجعل لنا من عندك وليّاً يتولى أمورنا, ونصيرًا ينصرنا على الظالمين؟
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ( 76 )
الذين صدَقُوا في إيمانهم اعتقادًا وعملا يجاهدون في سبيل نصرة الحق وأهله, والذين كفروا يقاتلون في سبيل البغي والفساد في الأرض, فقاتلوا أيها المؤمنون أهل الكفر والشرك الذين يتولَّون الشيطان, ويطيعون أمره, إن تدبير الشيطان لأوليائه كان ضعيفًا.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا (77 )
ألم تعلم - أيها الرسول- أمر أولئك الذين قيل لهم قبل الإذن بالجهاد: امنعوا أيديكم عن قتال أعدائكم من المشركين, وعليكم أداء ما فرضه الله عليكم من الصلاة, والزكاة, فلما فرض عليهم القتال إذا جماعة منهم قد تغير حالهم, فأصبحوا يخافون الناس ويرهبونهم, كخوفهم من الله أو أشد, ويعلنون عما اعتراهم من شدة الخوف, فيقولون: ربنا لِمَ أَوْجَبْتَ علينا القتال؟ هلا أمهلتنا إلى وقت قريب, رغبة منهم في متاع الحياة الدنيا, قل لهم - أيها الرسول- : متاع الدنيا قليل, والآخرة وما فيها أعظم وأبقى لمن اتقى, فعمل بما أُمر به, واجتنب ما نُهي عنه., لا يظلم ربك أحدًا شيئًا, ولو كان مقدار الخيط الذي يكون في شق نَواة التمرة.
أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ( 78 )
أينما تكونوا يلحقكم الموت في أي مكان كنتم فيه عند حلول آجالكم, ولو كنتم في حصون منيعة بعيدة عن ساحة المعارك والقتال. وإن يحصل لهم ما يسرُّهم من متاع هذه الحياة, ينسبوا حصوله إلى الله تعالى, وإن وقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جهالة وتشاؤمًا, وما علموا أن ذلك كله من عند الله وحده, بقضائه وقدره, فما بالهم لا يقاربون فَهْمَ أيِّ حديث تحدثهم به؟
مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ( 79 )
ما أصابك - أيها الإنسان- مِن خير ونعمة فهو من الله تعالى وحده, فضلا وإحسانًا, وما أصابك من جهد وشدة فبسبب عملك السيئ, وما اقترفته يداك من الخطايا والسيئات. وبعثناك - أيها الرسول- لعموم الناس رسولا تبلغهم رسالة ربك, وكفى بالله شهيدًا على صدق رسالتك.
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ( 80 )
من يستجب للرسول صلى الله عليه وسلم, ويعمل بهديه, فقد استجاب لله تعالى وامتثل أمره, ومن أعرض عن طاعة الله ورسوله فما بعثناك - أيها الرسول- على هؤلاء المعترضين رقيبًا تحفظ أعمالهم وتحاسبهم عليها, فحسابهم علينا.
وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ( 81 )
ويُظْهر هؤلاء المعرضون, وهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم, طاعتهم للرسول وما جاء به, فإذا ابتعدوا عنه وانصرفوا عن مجلسه, دبَّر جماعة منهم ليلا غير ما أعلنوه من الطاعة, وما علموا أن الله يحصي عليهم ما يدبرون, وسيجازيهم عليه أتم الجزاء, فتول عنهم - أيها الرسول- ولا تبال بهم, فإنهم لن يضروك, وتوكل على الله, وحسبك به وليّاً وناصرًا.
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ( 82 )
أفلا ينظر هؤلاء في القرآن, وما جاء به من الحق, نظر تأمل وتدبر, حيث جاء على نسق محكم يقطع بأنه من عند الله وحده؟ ولو كان مِن عند غيره لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا.
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا ( 83 )
وإذا جاء هؤلاء الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم أمْرٌ يجب كتمانه متعلقًا بالأمن الذي يعود خيره على الإسلام والمسلمين, أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم الاطمئنان, أفشوه وأذاعوا به في الناس, ولو ردَّ هؤلاء ما جاءهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أهل العلم والفقه لَعَلِمَ حقيقة معناه أهل الاستنباط منهم. ولولا أنْ تَفَضَّلَ الله عليكم ورحمكم لاتبعتم الشيطان ووساوسه إلا قليلا منكم.
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلا ( 84 )
فجاهد - أيها النبي- في سبيل الله لإعلاء كلمته, لا تلزم فعل غيرك ولا تؤاخذ به, وحُضَّ المؤمنين على القتال والجهاد, ورغِّبهم فيه, لعل الله يمنع بك وبهم بأس الكافرين وشدتهم. والله تعالى أشد قوة وأعظم عقوبة للكافرين.
مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ( 85 )
من يَسْعَ لحصول غيره على الخير يكن له بشفاعته نصيب من الثواب, ومن يَسْعَ لإيصال الشر إلى غيره يكن له نصيب من الوزر والإثم. وكان الله على كل شيء شاهدًا وحفيظًا.
وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ( 86 )
وإذا سلَّم عليكم المسلم فردُّوا عليه بأفضل مما سلَّم لفظًا وبشاشةً, أو ردوا عليه بمثل ما سلَّم, ولكل ثوابه وجزاؤه. إن الله تعالى كان على كل شيء مجازيًا.
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ( 87 )
الله وحده المتفرد بالألوهية لجميع الخلق, ليجمعنكم يوم القيامة, الذي لا شك فيه, للحساب والجزاء. ولا أحد أصدق من الله حديثًا فيما أخبر به.
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا ( 88 )
فما لكم - أيها المؤمنون- في شأن المنافقين إذ اختلفتم فرقتين: فرقة تقول بقتالهم وأخرى لا تقول بذلك؟ والله تعالى قد أوقعهم في الكفر والضلال بسبب سوء أعمالهم. أتودون هداية من صرف الله تعالى قلبه عن دينه؟ ومن خذله الله عن دينه, واتباع ما أمره به, فلا طريق له إلى الهدى.
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ( 89 )
تمنَّى المنافقون لكم أيها المؤمنون, لو تنكرون حقيقة ما آمنت به قلوبكم, مثلما أنكروه بقلوبهم, فتكونون معهم في الإنكار سواء, فلا تتخذوا منهم أصفياء لكم, حتى يهاجروا في سبيل الله, برهانًا على صدق إيمانهم, فإن أعرضوا عما دعوا إليه, فخذوهم أينما كانوا واقتلوهم, ولا تتخذوا منهم وليّاً من دون الله ولا نصيرًا تستنصرونه به.
إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا ( 90 )
لكن الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم عهد وميثاق فلا تقاتلوهم, وكذلك الذين أتَوا إليكم وقد ضاقت صدورهم وكرهوا أن يقاتلوكم, كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم, فلم يكونوا معكم ولا مع قومهم, فلا تقاتلوهم, ولو شاء الله تعالى لسلَّطهم عليكم, فلقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين, ولكن الله تعالى صرفهم عنكم بفضله وقدرته, فإن تركوكم فلم يقاتلوكم, وانقادوا اليكم مستسلمين, فليس لكم عليهم من طريق لقتالهم.
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ( 91 )
ستجدون قومًا آخرين من المنافقين يودون الاطمئنان على أنفسهم من جانبكم, فيظهرون لكم الإيمان, ويودون الاطمئنان على أنفسهم من جانب قومهم الكافرين, فيظهرون لهم الكفر, كلما أعيدوا إلى موطن الكفر والكافرين, وقعوا في أسوأ حال. فهؤلاء إن لم ينصرفوا عنكم, ويقدموا إليكم الاستسلام التام, ويمنعوا أنفسهم عن قتالكم فخذوهم بقوة واقتلوهم أينما كانوا, وأولئك الذين بلغوا في هذا المسلك السيِّئ حدّاً يميزهم عمَّن عداهم, فهم الذين جعلنا لكم الحجة البينة على قتلهم وأسرهم.
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 92 )
ولا يحق لمؤمن الاعتداء على أخيه المؤمن وقتله بغير حق, إلا أن يقع منه ذلك على وجه الخطأ الذي لا عمد فيه, ومن وقع منه ذلك الخطأ فعليه عتق رقبة مؤمنة, وتسليم دية مقدرة إلى أوليائه, إلا أن يتصدقوا بها عليه ويعفوا عنه. فإن كان المقتول من قوم كفار أعداء للمؤمنين, وهو مؤمن بالله تعالى, وبما أنزل من الحق على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, فعلى قاتله عتق رقبة مؤمنة, وإن كان من قوم بينكم وبينهم عهد وميثاق, فعلى قاتله دية تسلم إلى أوليائه وعتق رقبة مؤمنة, فمن لم يجد القدرة على عتق رقبة مؤمنة, فعليه صيام شهرين متتابعين; ليتوب الله تعالى عليه. وكان الله تعالى عليما بحقيقة شأن عباده, حكيمًا فيما شرعه لهم.
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ( 93 )
ومن يَعْتَدِ على مؤمن فيقتله عن عمد بغير حق فعاقبته جهنم, خالدًا فيها مع سخط الله تعالى عليه وطَرْدِهِ من رحمته, إن جازاه على ذنبه وأعدَّ الله له أشد العذاب بسبب ما ارتكبه من هذه الجناية العظيمة. ولكنه سبحانه يعفو ويتفضل على أهل الإيمان فلا يجازيهم بالخلود في جهنم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ( 94 )
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا خرجتم في الأرض مجاهدين في سبيل الله فكونوا على بينة مما تأتون وتتركون, ولا تنفوا الإيمان عمن بدا منه شيء من علامات الإسلام ولم يقاتلكم; لاحتمال أن يكون مؤمنًا يخفي إيمانه, طالبين بذلك متاع الحياة الدنيا, والله تعالى عنده من الفضل والعطاء ما يغنيكم به, كذلك كنتم في بدء الإسلام تخفون إيمانكم عن قومكم من المشركين فمَنَّ الله عليكم, وأعزَّكم بالإيمان والقوة, فكونوا على بيِّنة ومعرفة في أموركم. إن الله تعالى عليم بكل أعمالكم, مطَّلع على دقائق أموركم, وسيجازيكم عليها.
لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ( 95 )
لا يتساوى المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله - غير أصحاب الأعذار منهم- والمجاهدون في سبيل الله, بأموالهم وأنفسهم, فضَّل الله تعالى المجاهدين على القاعدين, ورفع منزلتهم درجة عالية في الجنة, وقد وعد الله كلا من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم والقاعدين من أهل الأعذار الجنة لِما بذلوا وضحَّوا في سبيل الحق, وفضَّل الله تعالى المجاهدين على القاعدين ثوابًا جزيلا.
دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ( 96 )
هذا الثواب الجزيل منازل عالية في الجنات من الله تعالى لخاصة عباده المجاهدين في سبيله, ومغفرة لذنوبهم ورحمة واسعة ينعمون فيها. وكان الله غفورًا لمن تاب إليه وأناب, رحيمًا بأهل طاعته, المجاهدين في سبيله.
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ( 97 )
إن الذين توفَّاهم الملائكة وقد ظلموا أنفسهم بقعودهم في دار الكفر وترك الهجرة, تقول لهم الملائكة توبيخًا لهم: في أي شيء كنتم من أمر دينكم؟ فيقولون: كنا ضعفاء في أرضنا, عاجزين عن دفع الظلم والقهر عنا, فيقولون لهم توبيخا: ألم تكن أرض الله واسعة فتخرجوا من أرضكم إلى أرض أخرى بحيث تأمنون على دينكم؟ فأولئك مثواهم النار, وقبح هذا المرجع والمآب.
إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا ( 98 )
ويعذر من ذاك المصير العجزة من الرجال والنساء والصغار الذين لا يقدرون على دفع القهر والظلم عنهم, ولا يعرفون طريقًا يخلصهم مما هم فيه من المعاناة.
فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ( 99 )
فهؤلاء الضعفاء هم الذين يُرجى لهم من الله تعالى العفو; لعلمه تعالى بحقيقة أمرهم. وكان الله عفوًا غفورًا.
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ( 100 )
ومَن يخرج من أرض الشرك إلى أرض الإسلام فرارًا بدينه, راجيًا فضل ربه, قاصدًا نصرة دينه, يجد في الأرض مكانًا ومتحولا ينعم فيه بما يكون سببًا في قوته وذلة أعدائه, مع السعة في رزقه وعيشه, ومن يخرج من بيته قاصدًا نصرة دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, وإعلاء كلمة الله, ثم يدركه الموت قبل بلوغه مقصده, فقد ثبت له جزاء عمله على الله, فضلا منه وإحسانًا. وكان الله غفورًا رحيمًا بعباده.
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101 )
وإذا سافرتم - أيها المؤمنون- في أرض الله, فلا حرج ولا إثم عليكم في قصر الصلاة إن خفتم من عدوان الكفار عليكم في حال صلاتكم, وكانت غالب أسفار المسلمين في بدء الإسلام مخوفة, والقصر رخصة في السفر حال الأمن أو الخوف. إن الكافرين مجاهرون لكم بعداوتهم, فاحذروهم.
وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ( 102 )
وإذا كنت - أيها النبي- في ساحة القتال, فأردت أن تصلي بهم, فلتقم جماعة منهم معك للصلاة, وليأخذوا سلاحهم, فإذا سجد هؤلاء فلتكن الجماعة الأخرى من خلفكم في مواجهة عدوكم, وتتم الجماعة الأولى ركعتهم الثانية ويُسلِّمون, ثم تأتي الجماعة الأخرى التي لم تبدأ الصلاة فليأتموا بك في ركعتهم الأولى, ثم يكملوا بأنفسهم ركعتهم الثانية, وليحذروا مِن عدوهم وليأخذوا أسلحتهم. ودَّ الجاحدون لدين الله أن تغفُلوا عن سلاحكم وزادكم; ليحملوا عليكم حملة واحلة فيقضوا عليكم, ولا إثم عليكم حيننذ إن كان بكم أذى من مطر, أو كنتم في حال مرض, أن تتركوا أسلحتكم, مع أخذ الحذر. إن الله تعالى أعدَّ للجاحدين لدينه عذابًا يهينهم, ويخزيهم.
فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103 )
فإذا أدَّيتم الصلاة, فأديموا ذكر الله في جميع أحوالكم, فإذا زال الخوف فأدُّوا الصلاة كاملة, ولا تفرِّطوا فيها فإنها واجبة في أوقات معلومة في الشرع.
وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 104 )
ولا تضعفوا في طلب عدوكم وقتاله, إن تكونوا تتألمون من القتال وآثاره, فأعداؤكم كذلك يتألمون منه أشد الألم, ومع ذلك لا يكفون عن قتالكم, فأنتم أولى بذلك منهم, لما ترجونه من الثواب والنصر والتأييد, وهم لا يرجون ذلك. وكان الله عليمًا بكل أحوالكم, حكيمًا في أمره وتدبيره.
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ( 105 )
إنا أنزلنا إليك - أيها الرسول- القرآن مشتملا على الحق; لتفصل بين الناس جميعًا بما أوحى الله إليك, وبَصَّرك به, فلا تكن للذين يخونون أنفسهم - بكتمان الحق- مدافعًا عنهم بما أيدوه لك من القول المخالف للحقيقة.
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ( 106 )
واطلب من الله تعالى المغفرة في جميع أحوالك, إن الله تعالى كان غفورًا لمن يرجو فضله ونوال مغفرته, رحيمًا به.
وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ( 107 )
ولا تدافع عن الذين يخونون أنفسهم بمعصية الله. إن الله - سبحانه- لا يحب مَن عَظُمَتْ خيانته, وكثر ذنبه.
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ( 108 )
يستترون من الناس خوفًا من اطلاعهم على أعمالهم السيئة, ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه, وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه, مطلع عليهم حين يدبِّرون - ليلا- ما لا يرضى من القول, وكان الله - تعالى- محيطًا بجميع أقوالهم وأفعالهم, لا يخفى عليه منها شيء.
هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ( 109 )
ها أنتم - أيها المؤمنون- قد حاججتم عن هؤلاء الخائنين لأنفسهم في هذه الحياة الدنيا, فمن يحاجج الله تعالى عنهم يوم البعث والحساب؟ ومن ذا الذي يكون على هؤلاء الخائنين وكيلا يوم القيامة؟
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ( 110 )
ومن يُقْدِمْ على عمل سيِّئ قبيح, أو يظلم نفسه بارتكاب ما يخالف حكم الله وشرعه, ثم يرجع إلى الله نادمًا على ما عمل, راجيًا مغفرته وستر ذنبه, يجد الله تعالى غفورًا له, رحيمًا به.
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 111 )
ومن يعمد إلى ارتكاب ذنب فإنما يضر بذلك نفسه وحدها, وكان الله تعالى عليمًا بحقيقة أمر عباده, حكيمًا فيما يقضي به بين خلقه.
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ( 112 )
ومن يعمل خطيئة بغير عمد, أو يرتكب ذنبًا متعمدًا ثم يقذف بما ارتكبه نفسًا بريئة لا جناية لها, فقد تحمَّل كذبًا وذنبًا بيّنا.
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ( 113 )
ولولا أن الله تعالى قد مَنَّ عليك - أيها الرسول- ورحمك بنعمة النبوة, فعصمك بتوفيقه بما أوحى إليك, لعزمت جماعة من الذين يخونون أنفسهم أن يُزِلُّوكَ عن طريق الحق, وما يُزِلُّونَ بذلك إلا أنفسهم, وما يقدرون على إيذائك لعصمة الله لك, وأنزل الله عليك القرآن والسنة المبينة له, وهداك إلى علم ما لم تكن تعلمه مِن قبل, وكان ما خصَّك الله به من فضلٍ أمرًا عظيمًا.
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ( 114 )
لا نفع في كثير من كلام الناس سرّاً فيما بينهم, إلا إذا كان حديثًا داعيًا إلى بذل المعروف من الصدقة, أو الكلمة الطيبة, أو التوفيق بين الناس, ومن يفعل تلك الأمور طلبًا لرضا الله تعالى راجيًا ثوابه, فسوف نؤتيه ثوابًا جزيلا واسعًا.
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ( 115 )
ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما ظهر له الحق, ويسلك طريقًا غير طريق المؤمنين, وما هم عليه من الحق, نتركه وما توجَّه إليه, فلا نوفقه للخير, وندخله نار جهنم يقاسي حرَّها, وبئس هذا المرجع والمآل.
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا ( 116 )
إن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به, ويغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده. ومن يجعل لله تعالى الواحد الأحد شريكًا من خلقه, فقد بَعُدَ عن الحق بعدًا كبيرًا.
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا ( 117 )
ما يعبد المشركون من دون الله تعالى إلا أوثانًا لا تنفع ولا تضر, وما يعبدون إلا شيطانًا متمردًا على الله, بلغ في الفساد والإفساد حدّاً كبيرًا.
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ( 118 )
طرده الله تعالى من رحمته. وقال الشيطان: لأتخذن مِن عبادك جزءًا معلومًا في إغوائهم قولا وعملا.
وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ( 119 )
ولأصرفَنَّ مَن تبعني منهم عن الحق, ولأعِدَنَّهم بالأماني الكاذبة, ولأدعونَّهم إلى تقطيع آذان الأنعام وتشقيقها لما أزينه لهم من الباطل, ولأدعونَّهم إلى تغيير خلق الله في الفطرة, وهيئة ما عليه الخلق. ومن يستجب للشيطان ويتخذه ناصرًا له من دون الله القوي العزيز, فقد هلك هلاكًا بيِّنًا.
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا ( 120 )
يعد الشيطان أتباعه بالوعود الكاذبة, ويغريهم بالأماني الباطلة الخادعة, وما يَعِدهم إلا خديعة لا صحة لها, ولا دليل عليها.
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ( 121 )
أولئك مآلهم جهنم, ولا يجدون عنها معدلا ولا ملجأً.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا ( 122)
والذين صَدَقوا في إيمانهم بالله تعالى, وأتبعوا الإيمان بالأعمال الصالحة سيدخلهم الله - بفضله- جنات تجري من نحت أشجارها الأنهار ماكثين فيها أبدًا, وعدا من الله تعالى الذي لا يخلف وعده. ولا أحد أصدق من الله تعالى في قوله ووعده.
لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ( 123 )
لا يُنال هذا الفضل العظيم بالأماني التي تتمنونها أيها المسلمون, ولا بأماني أهل الكتاب من اليهود والنصارى, وإنما يُنال بالإيمان الصادق بالله تعالى, وإحسان العمل الذي يرضيه. ومن يعمل عملا سيئًا يجز به, ولا يجد له سوى الله تعالى وليّاً يتولى أمره وشأنه, ولا نصيرًا ينصره, ويدفع عنه سوء العذاب.
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ( 124 )
ومن يعمل من الأعمال الصالحة من ذكر أو أنثى, وهو مؤمن بالله تعالى وبما أنزل من الحق, فأولئك يدخلهم الله الجنة دار النعيم المقيم, ولا يُنْقَصون من ثواب أعمالهم شيئًا, ولو كان مقدار النقرة في ظهر النواة.
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا ( 125 )
لا أحد أحسن دينًا ممن انقاد بقلبه وسائر جوارحه لله تعالى وحده, وهو محسن, واتبع دين إبراهيم وشرعه, مائلا عن العقائد الفاسدة والشرائع الباطلة. وقد اصطفى الله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام- واتخذه صفيّاً من بين سائر خلقه. وفي هذه الآية, إثبات صفة الخُلّة لله - تعالى- وهي أعلى مقامات المحبة, والاصطفاء.
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا ( 126 )
ولله جميع ما في هذا الكون من المخلوقات, فهي ملك له تعالى وحده. وكان الله تعالى بكل شيء محيطًا, لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه.
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ( 127 )
يطلب الناس منك - أيها النبي- أن تبين لهم ما أشكل عليهم فَهْمُه من قضايا النساء وأحكامهن, قل الله تعالى يبيِّن لكم أمورهن, وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تعطونهن ما فرض الله تعالى لهن من المهر والميراث وغير ذلك من الحقوق, وتحبون نكاحهن أو ترغبون عن نكاحهن, ويبيِّن الله لكم أمر الضعفاء من الصغار, ووجوب القيام لليتامى بالعدل وترك الجور عليهم في حقوقهم. وما تفعلوا من خير فإن الله تعالى كان به عليمًا, لا يخفى عليه شيء منه ولا من غيره.
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ( 128 )
وإن علمت امرأة من زوجها ترفعًا عنها, وتعاليًا عليها أو انصرافًا عنها فلا إثم عليهما أن يتصالحا على ما تطيب به نفوسهما من القسمة أو النفقة, والصلح أولى وأفضل. وجبلت النفوس على الشح والبخل. وإن تحسنوا معاملة زوجاتكم وتخافوا الله فيهن, فإن الله كان بما تعملون من ذلك وغيره عالمًا لا يخفى عليه شيء, وسيجازيكم على ذلك.
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129 )
ولن تقدروا - أيها الرجال- على تحقيق العدل التام بين النساء في المحبة وميل القلب, مهما بذلتم في ذلك من الجهد, فلا تعرضوا عن المرغوب عنها كل الإعراض, فتتركوها كالمرأة التي ليست بذات زوج ولا هي مطلقة فتأثموا. وإن تصلحوا أعمالكم فتعدلوا في قَسْمكم بين زوجاتكم, وتراقبوا الله تعالى وتخشوه فيهن, فإن الله تعالى كان غفورًا لعباده, رحيمًا بهم.
وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ( 130 )
وإن وقعت الفرقة بين الرجل وامرأته, فإن الله تعالى يغني كلا منهما من فضله وسعته; فإنه سبحانه وتعالى واسع الفضل والمنة, حكيم فيما يقضي به بين عباده.
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ( 131 )
ولله ملك ما في السموات وما في الأرض وما بينهما. ولقد عهدنا إلى الذين أُعطوا الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى, وعهدنا إليكم كذلك - يا أمة محمد- بتقوى الله تعالى, والقيام بأمره واجتناب نهيه, وبيَّنَّا لكم أنكم إن تجحدوا وحدانية الله تعالى وشرعه فإنه سبحانه غني عنكم; لأن له جميع ما في السموات والأرض. وكان الله غنيّاً عن خلقه, حميدًا في صفاته وأفعاله.
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ( 132 )
ولله ملك ما في هذا الكون من الكائنات, وكفى به سبحانه قائمًا بشؤون خلقه حافظًا لها.
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ( 133 )
إن يشأ الله يُهلكُّم أيها الناس, ويأت بقوم آخرين غيركم. وكان الله على ذلك قديرًا.
مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ( 134 )
من يرغب منكم - أيها الناس- في ثواب الدنيا ويعرض عن الآخرة, فعند الله وحده ثواب الدنيا والآخرة, فليطلب من الله وحده خيري الدنيا والآخرة, فهو الذي يملكهما. وكان الله سميعًا لأقوال عباده, بصيرًا بأعمالهم ونياتهم, وسيجازيهم على ذلك.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ( 135 )
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, كونوا قائمين بالعدل, مؤدين للشهادة لوجه الله تعالى, ولو كانت على أنفسكم, أو على آبائكم وأمهاتكم, أو على أقاربكم, مهما كان شأن المشهود عليه غنيًّا أو فقيرًا; فإن الله تعالى أولى بهما منكم, وأعلم بما فيه صلاحهما, فلا يحملنَّكم الهوى والتعصب على ترك العدل, وإن تحرفوا الشهادة بألسنتكم فتأتوا بها على غير حقيقتها, أو تعرضوا عنها بترك أدائها أو بكتمانها, فإن الله تعالى كان عليمًا بدقائق أعمالكم, وسيجازيكم بها.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا ( 136 )
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه داوموا على ما أنتم عليه من التصديق الجازم بالله تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم, ومن طاعتهما, وبالقرآن الذي نزله عليه, وبجميع الكتب التي أنزلها الله على الرسل. ومن يكفر بالله تعالى, وملائكته المكرمين, وكتبه التي أنزلها لهداية خلقه, ورسله الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته, واليوم الآخر الذي يقوم الناس فيه بعد موتهم للعرض والحساب, فقد خرج من الدين, وبَعُدَ بعدًا كبيرًا عن طريق الحق.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا ( 137 )
إن الذين دخلوا في الإيمان, ثم رجعوا عنه إلى الكفر, ثم عادوا إلى الإيمان, ثم رجعوا إلى الكفر مرة أخرى, ثم أصرُّوا على كفرهم واستمروا عليه, لم يكن الله ليغفر لهم, ولا ليدلهم على طريق من طرق الهداية, التي ينجون بها من سوء العاقبة.
بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 138 )
بشّر - أيها الرسول- المنافقين - وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر- بأن لهم عذابًا موجعًا.
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ( 139 )
الذين يوالون الكافرين, ويتخذونهم أعوانًا لهم, ويتركون ولاية المؤمنين, ولا يرغبون في مودتهم. أيطلبون بذلك النصرة والمنعة عند الكافرين؟ إنهم لا يملكون ذلك, فالنصرة والعزة والقوة جميعها لله تعالى وحده.
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ( 140 )
وقد نزل عليكم - أيها المؤمنون- في كتاب ربكم أنه إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها فلا تجلسوا مع الكافرين والمستهزئين, إلا إذا أخذوا في حديث غير حديث الكفر والاستهزاء بآيات الله. إنكم إذا جالستموهم, وهم على ما هم عليه, فأنتم مثلهم; لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم, والراضي بالمعصية كالفاعل لها. إن الله تعالى جامع المنافقين والكافرين في نار جهنم جميعًا, يلْقَون فيها سوء العذاب.
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا ( 141 )
المنافقون هم الذين ينتظرون ما يحلُّ بكم - أيها المؤمنون- من الفتن والحرب, فإن منَّ الله عليكم بفضله, ونصركم على عدوكم وغنمتم, قالوا لكم: ألم نكن معكم نؤازركم؟ وإن كان للجاحدين لهذا الدين قَدْرٌ من النصر والغنيمة, قالوا لهم: ألم نساعدكم بما قدَّمناه لكم ونَحْمِكُم من المؤمنين؟ فالله تعالى يقضي بينكم وبينهم يوم القيامة, ولن يجعل الله للكافرين طريقًا للغلبة على عباده الصالحين, فالعاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة.
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا ( 142 )
إنَّ طريقة هؤلاء المنافقين مخادعة الله تعالى, بما يظهرونه من الإيمان وما يبطنونه من الكفر, ظنًّا أنه يخفى على الله, والحال أن الله خادعهم ومجازيهم بمثل عملهم, وإذا قام هؤلاء المنافقون لأداء الصلاة, قاموا إليها في فتور, يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة, ولا يذكرون الله تعالى إلا ذكرًا قليلا.
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا ( 143 )
إنَّ مِن شأن هؤلاء المنافقين التردد والحَيْرة والاضطراب, لا يستقرون على حال, فلا هم مع المؤمنين ولا هم مع الكافرين. ومن يصرف الله قلبه عن الإيمان به والاستمساك بهديه, فلن تجد له طريقًا إلى الهداية واليقين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ( 144 )
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, لا توالوا الجاحدين لدين الله, وتتركوا موالاة المؤمنين ومودتهم. أتريدون بمودَّة أعدائكم أن تجعلوا لله تعالى عليكم حجة ظاهرة على عدم صدقكم في إيمانكم؟
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ( 145 )
إن المنافقين في أسفل منازل النار يوم القيامة, ولن تجد لهم - أيها الرسول- ناصرًا يدفع عنهم سوء هذا المصير.
إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ( 146 )
إلا الذين رجعوا إلى الله تعالى وتابوا إليه, وأصلحوا ما أفسدوا من أحوالهم باطنًا وظاهرًا, ووالوا عباده المؤمنين, واستمسكوا بدين الله, وأخلصوا له سبحانه, فأولئك مع المؤمنين في الدنيا والآخرة, وسوف يعطي الله المؤمنين ثوابًا عظيمًا.
مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ( 147 )
ما يفعل الله بعذابكم إن أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله, فإن الله سبحانه غني عمَّن سواه, وإنما يعذب العباد بذنوبهم. وكان الله شاكرًا لعباده على طاعتهم له, عليمًا بكل شيء.